الاثنين، 23 يونيو 2014

ناهد .. نستودعك الله الى الفردوس الاعلى






ورحلت ناهد ولم يكن رحيلها هادئا بل كان مزلزلا وملابسات رحيلها غامضة ..

كيف عاشت ناهد وبماذا كانت تطمح .. طموحها توقف عند تفعيل القدر بختام عمرها الدنيوي ... كانت سترحل كبقية البشر , ولكن لماذا رحيلها كان بهذه الهوية ؟

رحيل مشبع بالطعنات مضجر بالدماء , وما الغريب فقد رحل الملايين مضجرين بدمائهم بكاهم اهلهم واحبتهم وانتهى ذكرهم الا ممن كانو جزء هاما من عالمهم , لقد خلق الانسان بخاصية النسيان , نعم سننسى ناهد يوما ما الا ان ذكاء الاندية الطلابية في بريطانيا للعام 2014 كان حاضرا بتحويل الحدث الا غرس في تربة التاريخ عبر اقتراح انشاء مركز اسلامي في ذات المدينة بإسم تلك الراحلة بإثارة ودون ذنب , لكن كانت لابد ان ترحل..

لماذا رحلت ناهد في هذا العام ولماذا في بريطانيا ولماذا هي من الجوف ؟

اسئلتي تعكس ظلال الحدث على شخصي ومن يعيشون حال مشابه لي كمتأملين ام مبتعثين ام أي صفة او تشابه يجمعنا ..

ناهد كإسم كان من الممكن استبداله بأي اسم اخر لكن ناهد بتحديد هذه الانسانة , يا ترى ماذا نشرت ناهد من اخلاقيتها بين الطلبة والاساتذة , انها حلم قصير قوي خطف وعيهم وهز انسانيتهم لا اجزم بالكل ويكفي ان يكون البعض المؤثر في محيطه .. هل سيقرر احدهم الدخول في الاسلام بسبب ناهد ؟

ناهد لقد حملت طموحك الكبير معك الى بلاد اخرى لكن الزمن المسموح به كان قصيرا بعمر الدنيا ولربما كان طموحك الاكبر هو الفردوس الاعلى ذلك الطموح الذي لا نملك استكشافه لقد خص الله نفسه بالخبير بما في دواخلنا ولم يمنحنا خاصية الاطلاع على الافئدة وما تخفي الصدور , لكن اتسأل كما تسأل غيري في تويتر : ماذا خبأت ناهد بينها وبين الله لتحظى بالصلوات على رحيلها والدعوات والصدقات وقد اصبحت جثة هامدة بعد وداع روحها لتأنس برحمة الله بإذنه تعالى ؟ سؤال طويل متشعب ولا اجابة الا المؤشرات التي يفسرها المتلقي وفقا لإيمانه بخالقه وفهمه لماهية الانسان ومما وكيف خلق ..

ناهد .. انا في بريطانيا قد سبقتك باختياري لا ابتعاثا اجباريا , اتيت لأنني أحب العلم , وتعرضت لعنصرية أحدهم ولم ابلغ السلطات عنه لأنني وثقت برأي اساتذتي في المعهد والشئون القانونية في الملحقية لأنني لا املك دليل او صورة لذلك الرجل المشرد الذي اصابني بغضب داخلي ثم شعور بالخوف جففت منابعه حين كنت اتأمل يا ربي لماذا يحدث هذا معي وما الذي تريد ايصاله لي ؟ وقتها غرقت في الكثير من التأملات والتحليلات زادتني قربا الى الله ومناجاة له ..


ناهد .. كنت واتوقع اخرين مثلي افكر في لحظات الجرم الذي مورس في حق جسدك البريء , هل كان مؤلما هل تمكنت من التعبير بالصراخ هل استطعت ان تقاومي , ولماذا أنت ؟
هل كان قاتلا ام قتلة وماهي الرسالة التي يريدون ايصالها ؟ هل كان قاتلك معتوه .. قدرك ان تموتي بيد من لا يفقه ما يفعل , ويتولاك الله برحمته ويعوضك الجنة ..

ناهد .. البشر هنا في الدنيا لازالو يبحثون عن قاتلك وربما قاتل غيرك , ونحن نفكر كيف نصبح اكثر حرصا وأمانا حتى لا نلقى ما حدث لك , ان الناس بعدك يا ناهد يتنازعون حول المسئولية تقع على من ؟
ناهد .. لقد شاهدنا اخر لقطة لك وربما تكون الوحيدة كنت تسيرين الى حيث تتعلمين لا نعلم ماذا قرأت من ادعية في ذلك الصباح ولا بماذا تفكرين بينما ملك الموت ينفذ الأمر في وقته وحينه ورعاية الله تلطف بك ... كلنا سنموت لا نملك خيار اخر وقصورنا الانساني مهما تذمر لا يغير من الحقيقة شيء , الا اننا من المحظوظين بانشغالنا بحب الله نريد الله ان يحبنا ويحفظنا نريد الحرية من الدنيا وما فيها الى رحمته وما تحدثه بنا من اللطف والاحتواء ... نحاول ان نتحدث ونتأمل رحمة الله ونجهل الكثير الا ان عزاءنا هي البصيرة التي ينعم الله بها على قلوبنا حين نفرغها لوجهه الكريم ..

ناهد .. انني افكر فيك منذ رحيلك وقبل ذلك لم اكن لأعرفك ولن سيكون لدي اهتمام لأمرك لأنني كبقية الخلق اتابع اولوياتي والان اصبحت بحادثة مقتلك من اولويات تأملاتي تلك المساحة الثمينة من وعيي ..

اسأل الله العلي العظيم ان يجعلك من السعداء في الفردوس الاعلى ووالداي ومن احببت واحببنا , وان يجعل لرحيلك نقطة تحول في مسار كل شخص يتأمل فيما حدث لك فلربما رحيلك سبب هداية ووعي لبشر يشعرون باليأس ويجهلون اين تكمن رحمة الله ..

رحيلك رحمة انا على يقين ان الرحمن الرحيم مقدّر الاقدار يحب عباده الصالحين المخلصين له , يارب اختم لنا اعمالنا في الدنيا على النحو الذي يرضيك واجعلنا من الحامدين الشاكرين ..

سأختم مقالي ولن اختم تأملاتي

لا املك ان اقول بحفظ الرحمن يا ناهد بل برحمة الله يا ناهد ستنعمين مع الشهداء والصديقين , امين


لبنى 

الأحد، 6 أبريل 2014

حكايتي مع المشرد البريطاني




الزمن : احد ايام نوفمبر 2013 

المكان : موقف انتظار الباص 

الابطال : لبنى ومشرد بريطاني 


منذ وصولي لأرض الحدث بريطانيا تلك المساحة التى سافرت لها لأنسج حلمي على أرضها كل شئ كان يبدو مربكا , لذيذا لأنه بإختياري ..

وكوسيلة تنقل مناسبة كنت احدى الركاب في باصات لأسمين مختلفين لذات الشركة وذات التذاكر , الاختلاف فقط في بعض مسارات هذه الباصات ..

كنت أستخدم " بلو ستار " بدا لي كل شي راقي الانضباط في الوقت , والركاب المحترمين ...وحتى عند الخروج من الباص هناك كلمة " شكرا " تقال للسائق من فم كل راكب .. نعم هي طقوس الأدب عندهم ..

في احدى الصباحات الجميلة ومعي احد افراد أسرتي , اتى الى موقف الباص رجل مصطحبا زوجته وابنته التى تبلغ من العمر 16 سنة , ما لفت انتباهي هو سلوك العائلة بعكس السلوك الانجليزي العام الذي اشاهده , هذه العائلة تتكلم بصوت مرتفع وبلغة تحمل في طياتها بعض " الشتائم " والتى كان لي نصيب منها فيما بعد , وحديثهم المعلن لا يتأثر بوجودهم في مكان مغلق مثل الباص فهم على عادتهم يتشاورون , يختلفون , يشتمون بعضهم على الملأ , وعيون الاخرين ترمقهم بهدوء واشمئزاز غير ملحوظ وهذا الوصف الاخير له سبب سيتضح لاحقا ...


في احد الايام ركبت الباص في طريق العودة الى المنزل , والباص يتوقف لبعض المحطات , كانت احداها من نصيب هذه العائلة لتنضم الينا ويبدأ الحدث في معطياته , كنت اجلس في اخر الباص سعيدة بالمساحة والفراغ من حولي كل الكراسي فارغة اقصد القريبة جدا مني , الا ان هذه العائلة قررت الجلوس الى جانب هذه المرأة المحجبة لأن المساحة فارغة من حولها , ما جعلني ارتبك وامتعض ليس جلوسهم بقدر اصطحابهم لكلبهم الذي اصطحب معه هو الاخر رائحة " .... " ...


ولأنني معروفة بالشفافية المحرجة فقد ظهر على ملامحي ما اوقعني في موقف مؤذي , فهم يجلسون الى جانبي بذات السلوك المعتاد , البنت تتحدث بهاتفها النقال بصوت مرتفع وتتلفت على الشباك الخلفي تارة وتارة الشباك الجانبي لأنها تتحدث لشخصية سيمر الباص من جانبها وهي تسير على الرصيف , اما الأم فقد كانت مشغولة بالاستخفاف بزوجها وتتهكم على طريقة كلامه  وهو يجلس بالكرسي المقابل لنا نحن الثلاثة ولديه متسع من قراءة ملامحي التى يسكن خلفها حيرتي " هل ابقى بجانبهم  ام اغير مكاني ولكنهم سيلاحظون ذلك وربما يشعرون بالاستياء ويتبع ذلك ما لا يحمد عقباه " وحيرة اخرى " ماذا لو نزلت في المحطة التى تسبق محطتنا جميعا حتى اتفادى ردة الفعل ؟ " وما بين هذا الحوار الداخلي بيني وبين نفسي كان الزوج قد التقط بذاكرته العقلية مشاعري واستيائي وقرر ان يثأر لتلك النظرة , بخلاف تقبيله لكلبه الذي دعوت الله ان يظل ساكنا حتى أصل واخرج من الباص وينتهي الموقف ...


الحدث بدأ بالتصعيد ليصل لأوجه بعد نزولنا انا والعائلة في ذات المحطة , توقفت الفتاة ووالدتها عن المشي وانا احمل اغراضي مسرعة بالمشي الا انني لاحظت ان هناك من يلمس اكياس السوبرماركت التى احملها التفت واذا بالرجل قد ارخى حبل الكلب ليتبعني بحرية التقت عيناي بعيناه الزرقاوين التي كانت تستشيط غضبا وشرا , اسرعت بالمشي والكلب يسرع باللحاق بي , التفت اليه وطلبت منه بأدب ان يبعد كلبه عني , وكانت الفرصة الذهبية له لينهال علي بالسباب والشتم والتضييق على مساحة وقوفي على حافة الرصيف الذي لو انزلت قدمي لصدمتني السيارات المسرعة , ما انقذني من هذا الموقف برعاية الله هو مرور سيارة شرطة وصوتها مدوي من مسافة بعيدة فأبتعد عني وهو يصرخ بأعلى صوته على سيارة الشرطة لأنه يعلم انها عابرة الا ان صوتها أرعبه وابتعد عني ...


ولم تنتهي الحكاية , ونظرا لشعوري بالغضب والخوف استشرت قسم الاستشارات القانونية في الملحقية التعليمية وكان ردهم اننا نأسف لحدوث ذلك ولكن لا تملكين دليل يثبت تحرش هذا الرجل , واستشرت معلمي في معهد اللغة الذي اقترح علي تجنب الباص الذي تركبه هذه العائلة , ومعلمتي اكدت لي انه ليس لدي دليل للشكوى , وقررت في النهاية ان اوقف التفكير واعتبر ماحدث يحمل مضمون ايجابي ودوري هو العثور على هذا المضمون ...


وبالفعل بدأت التفكير بتغيير الباص من " بلو ستار " الى " يوني لنك " ما اعجبني في هذا التغيير هو ان الباص الاخير يتوقف في اقرب محطة باص لمنزلي , شعرت بالاريحية والسعادة سأتجنب لقاء هذا المشرد , وسأصل لمنزلي بمسافة قريبة ..

الا انني في بعض المرات اعود للركوب في الباص الاول " بلو ستار " وفي احدى المرات ركبت واذا بي اشاهد العائلة مسترخية على 3 كراسي في الدور الاول وكقرار سريع صعدت الى الدور الثاني , وظننت انني بمنأى عن هذا المشرد وحرصت على النزول في المحطة التى تلي المحطة المعتادة وعندما هممت بالنزول تفاجأت بأن المشرد كان يجلس طوال الوقت في المقعد الخلفي لمقعدي , حين هممت بالاقتراب من السلم لأنزل من الدور الاول للدور الارضي في الباص , وجدت رجله ممتدة في طريقي لأتعثر بها وهو منشغل بجهازه النقال وصوت زوجته النشاز يناديه من الدور الاسفل الا انني قفزت من فوق قدمه فرفع رأسه بلامبالاة وقال " Sorry " يبدو انه تذكر ان هناك كاميرا تراقب تحركاته , نزلت من الباص ونزلو معي في ذات المحطة وانطلقت مسرعة لبوابة السوق التجاري الكبير لأختفي بين الناس ...


اللقاء الثالث مع هذا الرجل حين خرجت من منزلي اسير على الرصيف بإتجاه سوبرماركت قريبة من البيت , مر من جانبي رجل على دراجة وما ان رفعت عيناي عن الارض الا وهو يقول لي : Hello  ... اطلالته كانت تشبه اطلالة هذا الرجل الا انني غير متأكدة تماما 

الى هنا توقفت أحداث هذا الرجل معي ولله الحمد ..

ماذا استفدت من هذه التجربة ؟

- خبرة جديدة لم اعيش ما يشبهها من قبل في حياتي 
- ان اكون حذرة في الاماكن العامة  
- ان مذاق العنصرية مؤذي جدا 
- كانت التجربة تطبيق عملي لإيماني وقناعاتي بحسن تدبير الله لأحداثي 
- تطبيق القاعدة القديمة والتى تدربت عليها كثيرا بعد ان تعلمتها من معلمي د. صلاح الراشد " وراء كل حدث رسالة ايجابية " والايجابية ان خيارات الباص تعددت بين شركتين بعد ان كانت شركة واحدة , واحداهما الاقرب الى بيتي ..


هي احدى يومياتي البريطانية شاركتكم بها .. تحياتي