الزمن : احد ايام نوفمبر 2013
المكان : موقف انتظار الباص
الابطال : لبنى ومشرد بريطاني
منذ وصولي لأرض الحدث بريطانيا تلك المساحة التى سافرت لها لأنسج حلمي على أرضها كل شئ كان يبدو مربكا , لذيذا لأنه بإختياري ..
وكوسيلة تنقل مناسبة كنت احدى الركاب في باصات لأسمين مختلفين لذات الشركة وذات التذاكر , الاختلاف فقط في بعض مسارات هذه الباصات ..
كنت أستخدم " بلو ستار " بدا لي كل شي راقي الانضباط في الوقت , والركاب المحترمين ...وحتى عند الخروج من الباص هناك كلمة " شكرا " تقال للسائق من فم كل راكب .. نعم هي طقوس الأدب عندهم ..
في احدى الصباحات الجميلة ومعي احد افراد أسرتي , اتى الى موقف الباص رجل مصطحبا زوجته وابنته التى تبلغ من العمر 16 سنة , ما لفت انتباهي هو سلوك العائلة بعكس السلوك الانجليزي العام الذي اشاهده , هذه العائلة تتكلم بصوت مرتفع وبلغة تحمل في طياتها بعض " الشتائم " والتى كان لي نصيب منها فيما بعد , وحديثهم المعلن لا يتأثر بوجودهم في مكان مغلق مثل الباص فهم على عادتهم يتشاورون , يختلفون , يشتمون بعضهم على الملأ , وعيون الاخرين ترمقهم بهدوء واشمئزاز غير ملحوظ وهذا الوصف الاخير له سبب سيتضح لاحقا ...
في احد الايام ركبت الباص في طريق العودة الى المنزل , والباص يتوقف لبعض المحطات , كانت احداها من نصيب هذه العائلة لتنضم الينا ويبدأ الحدث في معطياته , كنت اجلس في اخر الباص سعيدة بالمساحة والفراغ من حولي كل الكراسي فارغة اقصد القريبة جدا مني , الا ان هذه العائلة قررت الجلوس الى جانب هذه المرأة المحجبة لأن المساحة فارغة من حولها , ما جعلني ارتبك وامتعض ليس جلوسهم بقدر اصطحابهم لكلبهم الذي اصطحب معه هو الاخر رائحة " .... " ...
ولأنني معروفة بالشفافية المحرجة فقد ظهر على ملامحي ما اوقعني في موقف مؤذي , فهم يجلسون الى جانبي بذات السلوك المعتاد , البنت تتحدث بهاتفها النقال بصوت مرتفع وتتلفت على الشباك الخلفي تارة وتارة الشباك الجانبي لأنها تتحدث لشخصية سيمر الباص من جانبها وهي تسير على الرصيف , اما الأم فقد كانت مشغولة بالاستخفاف بزوجها وتتهكم على طريقة كلامه وهو يجلس بالكرسي المقابل لنا نحن الثلاثة ولديه متسع من قراءة ملامحي التى يسكن خلفها حيرتي " هل ابقى بجانبهم ام اغير مكاني ولكنهم سيلاحظون ذلك وربما يشعرون بالاستياء ويتبع ذلك ما لا يحمد عقباه " وحيرة اخرى " ماذا لو نزلت في المحطة التى تسبق محطتنا جميعا حتى اتفادى ردة الفعل ؟ " وما بين هذا الحوار الداخلي بيني وبين نفسي كان الزوج قد التقط بذاكرته العقلية مشاعري واستيائي وقرر ان يثأر لتلك النظرة , بخلاف تقبيله لكلبه الذي دعوت الله ان يظل ساكنا حتى أصل واخرج من الباص وينتهي الموقف ...
الحدث بدأ بالتصعيد ليصل لأوجه بعد نزولنا انا والعائلة في ذات المحطة , توقفت الفتاة ووالدتها عن المشي وانا احمل اغراضي مسرعة بالمشي الا انني لاحظت ان هناك من يلمس اكياس السوبرماركت التى احملها التفت واذا بالرجل قد ارخى حبل الكلب ليتبعني بحرية التقت عيناي بعيناه الزرقاوين التي كانت تستشيط غضبا وشرا , اسرعت بالمشي والكلب يسرع باللحاق بي , التفت اليه وطلبت منه بأدب ان يبعد كلبه عني , وكانت الفرصة الذهبية له لينهال علي بالسباب والشتم والتضييق على مساحة وقوفي على حافة الرصيف الذي لو انزلت قدمي لصدمتني السيارات المسرعة , ما انقذني من هذا الموقف برعاية الله هو مرور سيارة شرطة وصوتها مدوي من مسافة بعيدة فأبتعد عني وهو يصرخ بأعلى صوته على سيارة الشرطة لأنه يعلم انها عابرة الا ان صوتها أرعبه وابتعد عني ...
ولم تنتهي الحكاية , ونظرا لشعوري بالغضب والخوف استشرت قسم الاستشارات القانونية في الملحقية التعليمية وكان ردهم اننا نأسف لحدوث ذلك ولكن لا تملكين دليل يثبت تحرش هذا الرجل , واستشرت معلمي في معهد اللغة الذي اقترح علي تجنب الباص الذي تركبه هذه العائلة , ومعلمتي اكدت لي انه ليس لدي دليل للشكوى , وقررت في النهاية ان اوقف التفكير واعتبر ماحدث يحمل مضمون ايجابي ودوري هو العثور على هذا المضمون ...
وبالفعل بدأت التفكير بتغيير الباص من " بلو ستار " الى " يوني لنك " ما اعجبني في هذا التغيير هو ان الباص الاخير يتوقف في اقرب محطة باص لمنزلي , شعرت بالاريحية والسعادة سأتجنب لقاء هذا المشرد , وسأصل لمنزلي بمسافة قريبة ..
الا انني في بعض المرات اعود للركوب في الباص الاول " بلو ستار " وفي احدى المرات ركبت واذا بي اشاهد العائلة مسترخية على 3 كراسي في الدور الاول وكقرار سريع صعدت الى الدور الثاني , وظننت انني بمنأى عن هذا المشرد وحرصت على النزول في المحطة التى تلي المحطة المعتادة وعندما هممت بالنزول تفاجأت بأن المشرد كان يجلس طوال الوقت في المقعد الخلفي لمقعدي , حين هممت بالاقتراب من السلم لأنزل من الدور الاول للدور الارضي في الباص , وجدت رجله ممتدة في طريقي لأتعثر بها وهو منشغل بجهازه النقال وصوت زوجته النشاز يناديه من الدور الاسفل الا انني قفزت من فوق قدمه فرفع رأسه بلامبالاة وقال " Sorry " يبدو انه تذكر ان هناك كاميرا تراقب تحركاته , نزلت من الباص ونزلو معي في ذات المحطة وانطلقت مسرعة لبوابة السوق التجاري الكبير لأختفي بين الناس ...
اللقاء الثالث مع هذا الرجل حين خرجت من منزلي اسير على الرصيف بإتجاه سوبرماركت قريبة من البيت , مر من جانبي رجل على دراجة وما ان رفعت عيناي عن الارض الا وهو يقول لي : Hello ... اطلالته كانت تشبه اطلالة هذا الرجل الا انني غير متأكدة تماما
الى هنا توقفت أحداث هذا الرجل معي ولله الحمد ..
ماذا استفدت من هذه التجربة ؟
- خبرة جديدة لم اعيش ما يشبهها من قبل في حياتي
- ان اكون حذرة في الاماكن العامة
- ان مذاق العنصرية مؤذي جدا
- كانت التجربة تطبيق عملي لإيماني وقناعاتي بحسن تدبير الله لأحداثي
- تطبيق القاعدة القديمة والتى تدربت عليها كثيرا بعد ان تعلمتها من معلمي د. صلاح الراشد " وراء كل حدث رسالة ايجابية " والايجابية ان خيارات الباص تعددت بين شركتين بعد ان كانت شركة واحدة , واحداهما الاقرب الى بيتي ..
هي احدى يومياتي البريطانية شاركتكم بها .. تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق