الأحد، 30 ديسمبر 2018

العنصرية الانتقائية




العنصرية هي أداة للتمييز بتطرف بين الأعراق ,, حين نصف احدهم بالابيض او الأسود على سبيل المثال لا الحصر فهل المقصود هو الوصف العرقي ام اننا نشجع على التمييز العنصري ؟
لكن صاحب البشرة البيضاء هو يملكها بالفعل وصاحب البشرة السمراء هو يملكها بالفعل وليس لأي منهما خيار في اللون فهذه صفات خلقية اختارها الخالق لهما .. اذن ربما العنصرية هي ابعد من الوصف العرقي الى ربط العرق بصفات تكرهها النفس .. ولكن ماذا لو ارتبط الوصف العرقي بصفات إيجابية فهل يا ترى سنشجع على الفخر بالعرق ونجعله يتفوق على العنصرية ؟ ولكن التشبث بتطرف لعرق معين قد يأخذ صاحبه لذات الدائرة التي نحاول ان نحللها بلطف رغم قتامة معناها في الذاكرة البشرية ..
فلنجرب بعض الصياغات التي تعكس الوصف العرقي بصفات إيجابية غير متعارف عليها:
المثال الأول:
اليوم التقيت بشخصية خفيفة الظل هي سمراء داكنة وشعرها شديد التموج جعلتني قادرة على الخروج من حالتي البائسة يوم ان ظننت ان لا شيء في الحياة يستحق ان أعيش لأجله ..
السؤال : هل شعرت انك تصف حالة غير معتادة ام انك شخص منفتح على الحقائق ومتقبل وجودها ومتعايش معها ؟

المثال الثاني:
في احدى صباحات العمل قابلني رجل مرتب ومهندم في شكله ظننته مديري الذي لم التقي به بعد .. بشرته بيضاء ويحمل بعض صفات سكان شرق اسيا في البداية كنت اظنه مغمضا عينيه لكن فاجأني بكلمات ترحيبية بلغتي الأم ويبدو انه كان يقرأها من ورقة ولكنني لم انتبه لحركة يده .. كان شخصا محترما ..
السؤال: هل الوصف أوحى لك بشئ من السخرية ام ان المتحدثة تود اخبارك بتفاصيل توضح أسباب تصرفات معينة لديها فيما لو أكملت الحديث ؟

المثال الثالث:
سافرت قبل شهرين بالطائرة وجلست الى جانبي سيدة كبيرة في السن تتحدث بلهجة جنوبية لم اسمعها من قبل حاولت ان افهم ما تحاول ايصاله لي لكنني فشلت وكنت في حيرة من امري هل اكتفي بالاستماع ام أحاول اخبارها بحقيقة عدم فهمي للهجتها المختلفة عن لهجتي .. ولكن السيدة بدت لي ملامحها طيبة وحنونة ..
السؤال : هل الوصف قادك للتركيز على اختلاف اللهجات ام انشغال المتحدثة بكيفية تواصلها مع السيدة الجالسة بجوارها ؟

المثال الرابع :
كان لدي مراجعة في احد فروع شركة اتصالات وحين جلست امام احد المكاتب الخالية انتظر الموظف انشغلت بجهازي لبعض الوقت ثم سمعت صوت ضعيف وصغير يسألني: كيف اقدر اخدمك ؟ في البداية ظننت انه ابن احد الموظفين لكن اتضح لي انه موظف جسده صغير وقامته قصيرة ولكن وجهه بشوش ومريح ابتسمت له و .....
السؤال: هل المتحدث يذكر صفات خلقية ام انه يورد ما لا يعكس توقعاته في بيئة عمل ؟

كل ما سبق قد تقرأه كوصف عرقي وخلقي لا يمت للعنصرية بصلة وأيضا تملك ان تضيف له في مخيلتك أصوات ومؤثرات تؤكد لك انه عنصرية لا يختلف عليها اثنان يقدرون الصفات الإنسانية في ارقى اوصافها ..

لبنى
كاليفورنيا – ايرفاين
24 يسمبر – 2018


الأحد، 23 ديسمبر 2018

الذكريات المقرمشة


بعض الذكريات تفتح شهيتك للحياة ففي كل مره تستعيدها بشكل عارض وبدون تهيئة نفسية مسبقة فانك تجد نفسك مبتسما ومتشبثا بشعور الذكرى التي لها قدرة التكرار في مخيلتك لا في واقعك لأنه مزدحم هو الاخر بتكوين وتكديس ذكريات ستستعيدها في المستقبل .. وهكذا تحتفظ كل ذكرى لذيذة بشهيتها التي تشبه نشوة المقرمشات بصوتها وطعمها مقارنة بمذاقات اخرى لا يصدر منها صوت وثقيلة في مكوناتها على المعدة والذاكرة في آن معاً ..


الذ الذكريات المقرمشة تلك التي لم تستعيدها كثيرا وتشعر ان في استرجاعك لها لأول او ثاني مره انها طازجة وقرمشتها الشعورية عالية منعشة تجعلك تنطلق في الابتسامة والضحكات احيانا بل وتحريض شركاء الذكرى بالمشاركة في تبهير القرمشة في محاولة لحقن يومك بمشاعر خاصة تم تكوينها والعيش فيها مسبقا ولا يمكن اضافة اي تعديلات عليها بإستثناء اطالة الحديث عنها والتأمل في حدوثها وتكوينها وسياقها لعل وعسى ان تجعل الذكرى المقرمشة لحظتك الحالية ذكرى مستقبلية مقرمشة ايضا ..


لبنى
كاليفورنيا- ايرفاين

٢٣ ديسمبر ٢٠١٨

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

الغباءات المتعددة



من منا لم ينعت نفسه يوما بالغبي بل ولأيام وسنوات ومواقف معتقدا ان ما مر به كان غباء متمرحل او ربما مكرر .. فهو الغبي في الفصل بين من يحصدون قمة القوائم بدرجات كاملة تجعلهم لا يبدون اغبياء اطلاقا .. الى ان يصل المستشعر لغبائه مرحلة يعتقد انها الفاصلة والحاسمة لقدره القادم حتى يموت .. يُحدّث نفسه : " بمثل مستوى هذا الغباء الذي امتلكه فإن التخصصات الجامعية المتاحة لي محدودة وهذا يقلل من حيرتي بعكس الاذكياء الذين يستطيعون ان يتخصصون في مجالات الاذكياء والاغبياء على حد سواء" ويمتد العمر ويتخرج المقتنع بغبائه من تخصصه الغبي متوقعاً ان يعمل بوظيفة هي الأخرى غبية تافهة .. وبعد الدخول في معترك الخبرة العملية يكتشف الواحد منا ان ما كان يظنه غباء سابقا هو هين مقارنة بما يحدث له الان وماهو قادم .. فالتنافس على المناصب يتسلق اليه الاذكياء اجتماعيا او اذكياء الخبرة المتراكمة اما متعددي او مسترسلي الغباء فهم لايزالون يفكرون بطريقة غبية يخجلون حتى من مناقشتها مع العامة فهم يختارون شركاء الغباء ليتشاورون مع بعضهم البعض عن غبائهم ويسترون عيوب غبائهم الذي يعتقدون انه لن يتغير ..

وفي رحلات الغباء الممتدة يلتقي اشخاص دون ان يعلمون انهم مشتركين في شيء من الغباءات المتعددة مثل غباء عدم المطالبة بالحق , غباء التخصص في علم غير ممتع لهم وغباء القبول بما هو متوافر بدل من صنع ماهو جديد ويلبي احتياجات حقيقية .. وينتهي الحال بمن يعتقدون ان النسبة الأعظم من لحظاتهم كانت في خانة الغباء وقد تقدم بهم السن ومع هذا الهدوء الجسدي والوهن في العظم يسترجع هؤلاء جماعات او فُرادى كم من غباء عاشو فيه وربما يسترجعون كم كان غباء منهم انهم اعتقدو فعلا انهم اغبياء ولكن اعتقادهم الجديد انه ليس لديهم متسع من الوقت للعودة من جديد والعيش في شريط الاحداث والحياة مع فهم مختلف لماهية الذكاء والغباء .. يبتسمون بحسرة وينتظرون من سيقتل الذكاء والغباء في آن واحد حيث الموت يحسم كل التساؤلات ويخرسها في العقل والقلب ليهدأ كل شيء ويعم السكون في الكون ..

تمت كتابة هذه التدوينة في مدينة ايرفاين في ولاية كاليفورنيا الامريكية
6 ديسمبر 2018